الحياة الذكية و الاستدامة


الاستدامة من أهم ما يشغل الساسة والباحثين حول العالم إلا أن عموم الناس ما زالوا بعيدين عنها ويرونها غير عملية ومكلفة، فهل هذا صحيح وكيف يمكن للبحوث والتكنولوجيا مساعدتنا في الوصول إلى نظام حياة يحافظ على كوكبنا الإجابة في المقال التالي.


رأينا الحياة تعود إلى مناطق هجرتها بعد ما قلت حركة الناس وانخفضت معها انبعاث ثاني أكسيد الكربون، مع تفشي فيروس كورونا و تطبيق إجراءات الحجر الصحي. اكتشفنا وجود مخلوقات لم نكن نعرفها، زاد الخضار، ولمسنا في الجو نقاء افتقدناه، وكأن الأرض عادت لتتنفس من جديد، ولكن ما لبثت هذه الصور أن تبعث البهجة في صدور المهتمين بالأمر حتى تتالت التحذيرات عندما حل الشتاء ولم تتجمد مياه القطب الشمالي، وكأنها رسالة مفادها هذه هي الحياة إذا حافظتم على استدامة النعم و هذه هي العواقب إن تنكرتم لها.


بالطبع يقع عبئ كبير على كاهل الحكومات والشركات العملاقة، إلا أن لكل منا دوره الذي يستطيع من خلاله المحافظة على هذه الحياة من قطبها الشمالي إلى الجنوبي، بعض مما تدعو إليه المنظمات البيئية الآن كان جزءا معتادا من الحياة اليومية في السابق، ثم اختلف الحال مع التقدم الصناعي والتكنولوجي، من هذا الماضي البسيط استلهمت الشركات التكنولوجيا الآن حلولا تجعل ابتكاراتها صديقة للبيئة وتساعد على استدامتها.


1- الملابس الذكية:


لا يقل إقبال الناس على اقتناء الملابس عن إقبالهم على شراء المأكولات حتى أن الملابس تعد ثاني أكثر العناصر إضرارا بالبيئة خلال مراحل إنتاجها واستخدامها ونفايتها، يستهلك صنع قميص واحد من القطن مثلا أكثر من 2700 لتر من الماء و يضيف 10 غرامات من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي خلال صبغة، هذا من دون أن نحسب كم العوادم الناتجة عن المصنع ثم عملية النقل إلى جانب الأضرار الصحية التي تلحق بالعمالة.


قدم لنا التقدم العلمي فرصة الآن لوجود شركات تختص في صنع ملابس صديقة للبيئة وتراعي حقوق العاملين على صناعتها، تبتكر أقمشة لها ميزات تقنية مثل تنقية الهواء وتعديل درجات الحرارة، تضاف لها جزيئات دقيقة من "ثاني أكسيد التيتانيوم" عن طريق الغسل أو الرش لإكسابها طبقة عازلة حساسة للضوء، تحفز عند التعرض له لتعمل على تفتيت الملوثات في الهواء المحيط بالملبس، ما يساعد على إطالة عمر النسيج وتقليل قابليته للاتساخ ،وتستفيد بعض المصانع من الطابعات ثلاثية الأبعاد للوصول إلى عملية إنتاج ذات كفاءة عالية، من دون هدر للموارد.


2- التسوق الذكي:


هنا و قد ارتديت ملابسك الصديقة للبيئة يمكنك الخروج للتسوق بطريقة مستدامة كذلك، سوبر ماركت المستقبل هو مزرعة رأسية تلتقط منها ما تشاء من فواكه وخضروات طازجة وبتكلفة اقل، ولكن إلى ذلك الحين ما ينصح به هو التعامل مع المحلات المحلية الصغيرة، لتشجيع الاقتصاد المحلي وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومن خلال هذه السلسلة الاقتصادية المحلية يمكن أن تنمو في المجتمع أنماط تسوق صحية، تحرص على استخدام أكياس المشتريات القابلة للتحلل، والمنتجات الصحية الخالية من المواد الضارة وغير المعدلة جينيا، تراعي حقوق العمال وتقدم السلعة بسعر عادل للمنتج والمستهلك.


3- الإضاءة و التدفئة الذكية:


لا يكتمل البيت الذكي من دون عنصر الاستدامة فيه، ولأن الطاقة من أهم مستهلكاته، فاختيارك لمحتويات البيت من أهم ما يحقق هذه الاستدامة.


تعمل منظمات الحرارة الذكية على تبريد منزلك أو تدفئته بالقدر الصحيح، عن طريق مستشعرات تستطيع تعلم ما تفضله ما يساعد على تقليل استهلاك الطاقة بمقدار 25%، مثل منظم "ecobee 4 smart" الذي يأتي مدمج مع مساعد "alexa" الصوتي ويساعد على ترشيد استهلاك الأجهزة للكهرباء.


يمكنك أيضا تخفض الاستهلاك أكثر بحسن اختيارك للأجهزة المنزلية، فلتعتمد على مصابيح "led" متصلة بشبكة "wifi" والتي توفر لك ميزة أمان إضافية تحاكي نمط الإضاءة المعتاد إذا كنت في اجتازة بعيدا عن منزلك فيبدو مأهولا، شركة "لايفكس" تقدم مصابيح تغير ألوانها وتوفر سطوعا اكبر وبطاقة اقل، كما توفر خاصية الأشعة تحت الحمراء للرؤية الليلية، ويمكنها العمل مع " amazon echo"، أو "google home"، أو "apple home kit".


4- الطاقة الشمسية:


يمكنك أيضا تخزين الطاقة الشمسية، إذ يعمل الباحثون الآن على تصنيع فيلم رقيق من الألواح الشمسية يمكن لصقه على الجدران أو النوافذ، بينما توفر بعض الشركات حاليا حلول مساعدة مثل النوافذ الشمسية المثبتة، كنافذة "powerwindow" من شركة "physee" و هي مجموعة من الألواح الشمسية الصغيرة تثبت على طول حواف النافذة لتوليد الكهرباء من الشمس، إلا أنها تولد طاقة تكفي فقط لشحن الهواتف والأجهزة الصغيرة.


بينما شركة "solar gabs" صنعت ستائر مصنوعة من الألواح الشمسية الشفافة يمكن تعليقها على النوافذ داخل أو خارج البيت وبرمجتها لتتبع دوران الشمس، ما يعطيها فرصة لتجميع قدر اكبر من الطاقة.


5- الأجهزة الكهرومنزلية الذكية:


يمكن أن يكون لاستبدال الغسالة والمجفف تأثير كبير كذلك، مثل الغسالة التي طورتها "سامسونج" و التي تحتوي على اسطوانة واسعة مساحتها أكثر من نصف متر، إلا أنها تستخدم ما يقرب من 400 جالون من الماء فقط كل عام فقط، مقارنة ببعض الطرازات ذات السعة الأصغر.


كذلك الثلاجات مثل الطراز المصنع من طرف شركة "آل جي" الذي يصل حجمه إلى مترين و 200 سم مكعب، بينما يعد من اقل النماذج استهلاكا للطاقة.


سخان المياه "ايكو 18" من شركة "ايكو سمارت" يعمل فقط وقت احتياجك بلا هدر للطاقة أو المياه.


6- صنع المواد المنزلية:


حتى المواد المستخدمة في تنظيف البيت لها اثر كبير كذلك، فوفقا لتقرير صادر عن جامعة "بيركن النرويجية" فإن استنشاق مواد التنظيف الكيميائية أسوء من تدخين 20 سيجارة في اليوم، لذلك يفضل استخدام المنظفات الطبيعة غير السامة والقابلة للتحلل والتي يمكنك تصنيعها في المنزل.


في الحقيقة يمكنك تصنيع كل شيء في البيت مثل الشامبو و مرطبات الشعر والجسم بمواد طبيعية لا تضر بك أو بالبيئة المحيطة واستخدام مخرجاتك كلها بما يفيد هذه البيئة بأقل هدر ممكن.


7- الزراعة المنزلية:


كما يمكنك استخدام أي مساحة لديك لزراعة المحاصيل الخفيفة والتي يكثر استخدامك لها مثل النعناع أو البقدونس، كما يمكن للفواكه أن تكون أشجار زينة في منزلك، و مع العديد من الأجهزة الذكية المخصصة للزراعة المنزلية، يمكنك تكييف أي حيز في منزلك لزراعة نباتاتك، على الجدران أو حتى الأسقف، إذا تمكنا جميعا من زراعة الاحتياجات الأساسية في منازلنا باستخدام السماد الطبيعي فقد اتخذنا بالفعل خطوة كبيرة نحو العيش المستدام، السماد العضوي يعيد تدوير فضلات البيت ويساعد على تنقية هوائه، ويضمن لك توازن العناصر الغذائية في طعامك، كما يقلل من إطلاق غاز الميثان في البيئة.


الحفاظ على البيئة ليس حفاظا على الحياة وتوازنها فحسب بل حفظ لحقك وحق من حولك، لذا فهي تعتمد على مسؤولية مشتركة تبدأ بسلسلة من القرارات الفردية وطريقة حياة تحفظ نعم الله.


تعليقات